السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقدمة
شغلت الخلافة العباسية حيزًا كبيرًا من الزمن طال عدة قرون، وقد توسعت هذه الدولة توسعًا كبير، وضمت في أرجائها أعراقا وأجناسا شتى من البشر، ولكن الباحث في تاريخ هذه الدولة يواجه صعوبات كثيرة في دراسته، ولهذا أسباب، يجدر بنا الإطلاع عليها:
أسباب صعوبة دراسة التاريخ العباسي:
1ـ دولة مترامية الأطراف فيها أقاليم عدة:
وصف المملكة الإسلامية حين استيلاء بني العباس:
كانت المملكة الإسلامية تمتد من أقصى المشرق عند كاشغر إلى السوس الأقصى على شاطئ بحر الظلمات..
وتمتد عرضًا من شاطئ بحر قزوين إلى أواخر بلاد النوبة، وهي مقسمة إلى أقسام كبرى، وكل قسم يشتمل على عدة ولايات، وها نحن أولاء نذكر هذه الأقسام وما فيها من الولايات:
1ـ جزيرة العرب: وتشتمل على أربع كور جليلة:
ـ الحجاز.
ـ اليمن.
ـ عمان.
ـ هجر.
وبهذه الجزيرة مكة وبها بيت الله الحرام والكعبة المقدسة التي جعلها الله قيامًا لناس وهي قبلة المسلمين كافة في صلاتهم، وبها طيبة: وهي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعث النور الإسلامي..
أمة هذا القسم عربية محضة، تتكلم اللسان العربي إلا بصحار ـ قصبة عمان على شاطئ بحر الهند ـ فإن نداءهم وكلامهم بالفارسية وأكثر أهل عدن وجدة فرس إلا أن لغتهم عربية، ومذاهبهم السياسية: التشيع ببلاد اليمن، والخوارج بعمان وهجر، والسنة فيما عداهما..
2ـ إقليم العراق وبه ست كور:
ـ الكوفة.
ـ البصرة.
ـ واسط.
ـ المدائن.
ـ حلوان.
ـ سامراء.
وهذا الإقليم كان يسمى في القديم: إقليم بابل، وهكذا كان اسمه في التقويم الأول عهد
العباسيين، ولقد كان زهرة ملك العباسيين وأجمل بلدان الدنيا وأثراها وروافده الدجلة والفرات من أحسن أنهار الدنيا..
وأمة هذا الإقليم نبطية، دخل عليها العرب في بلادها، فزاحموها وصارت كأنها لهم، ولذلك صارت لغة هذا إقليم عربية، وأصبح لغاتهم الكوفية لقربها من البادية وبعدهم عن النبط وأما البطائح فنبط، والذين نزلوا بهذا الإقليم من العرب أكثر من الذين نزلوا منهم بأي إقليم آخر ما عدا الشام والجزيرة، وقد كانوا بهذه الأقاليم الثلاثة قبل الإسلام، وكان بها منهم ملوك المناذرة بالعراق، والغساسنة بالشام، إلا أنهم لم يكونوا مستقلين بالملك، بل كانوا تحت رعاية الفرس والروم، فلما جاء الإسلام اتسق لهم الملك بالإقليمين، وكان الشام مهد الدولة الأموية، كما كان العراق مهد الدولة العباسية..
3ـ إقليم الجزيرة: جزيرة أقور أو أثور أو أشور وهي ما بين دجلة والفرات، بها ثلاث كور:
ـ ديار ربيعة.
ـ ديار مضر.
ـ ديار بكر.
وقد نزل العرب قبل الإسلام بهذا الإقليم،وكانت به قبائل شتى من جميع العدنانيين حتى سميت كورة بأسمائهم، ولذلك يعتبر إقليمًا عربيًا محضًا، لأن من كان به من الآشوريين وغيرهم درست آثارهم، وينتهي هذا الإقليم إلى حدود الروم وأرمينية..
4ـ إقليم الشام وبه ست كور:
ـ قنسرين.
ـ حمص.
ـ دمشق.
ـ الأردن.
ـ فلسطين.
ـ الشراة.
وهذا الإقليم دخله العرب قبل الإسلام، وملكوا به، وزاحموا من كان به من الأمم القديمة..
ولما جاء الإسلام، كان مهدًا عظيمًا من مهود الحضارة العربية الإسلامية، ولغة أهله عربية..
وبهذا الإقليم: بيت المقدس، وهو ثالث المساجد المقدسة، بناه سليمان بن داود عليهما السلام حينما كان ملكًا على بني إسرائيل، ويعظمه جميع الأديان السماوية..
5ـ إقليم مصر، وبه سبع كور على حسب التقويم القديم:
ـ الجفار.
ـ الحوف.
ـ الريف.
ـ إسكندرية.
ـ مقدونيا.
ـ الصعيد.
ـ الواحات.
وأمة هذا الإقليم كانت في القديم مصرية قبطية، ساكنها كثير من الأمم التي ملكتها كاليونان والرومان وغيرهم، وكان بالحوف بعض قبائل عربية تقيم فيها..
وعندما جاء الإسلام جاءها كثير من العرب الفاتحين، فأقاموا في مدنها الكبرى، ثم جاءت قبائل كثيرة من قيس في عهد الدولة الأموية، وأقامت بالحوف (الشرقية)، ثم اختلطت هذه الأمة الفاتحة، بالمصريين تمام الاختلاط، فتزاوجوا حتى غلب على الجمهور اللسان العربي والدين الإسلامي وذلك بعد تملك الدولة العباسية..
أما أول عهدها: فكان أكثر الفلاحين بالقرى أقباطًا لا يزالون على دينهم..
6ـ إقليم المغرب، وهو سبع كور:
ـ برقة..
ـ إفريقية.
ـ تاهرت.
ـ سلجماسة.
ـ فاس (السوس الأدنى).
ـ السوس الأقصى.
ـ الأندلس.
وهذا الإقليم كان يسكنه قبل الإسلام البربر، وساكنهم فيه كثير من الرومان والويز الذين ملكوا المغرب قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام دخله العرب الفاتحون وزاحموا البربر، إلا أنهم لم يكثروهم لقتلهم، ولم يكثر العنصر العربي بها إلا بعد ذلك في منتصف القرن الخامس، فأمة هذا الإقليم الغالبة عليه لهذا العهد بربرية، واللسان الغالب هو اللسان البربري..
7ـ إقليم المشرق، وهو إقليم ذو جانبين:
ـ في الشرق، ويسمى جيحون أو أموداريا، ويسمى بما وراء النهر أو هيطل.
ـ في الغرب، وهو ما كان غربي جيحون ويسمى خراسان.
أولاً: ما وراء النهر: قال البشاري: "هذا الجانب أخصب بلاد الله تعالى وأكثرها خيرًا وفقهًا وعمرة، ورغبة في العلم، واستقامة في الدين، وأشد بأسً، وأغلظ معروفًا وضيافةً وتعظيمًا لمن يفهم"..
وبهذا القسم ست كور:
ـ فرغانة.
ـ أسبيجاب.
ـ الشاش.
ـ أشروسنة.
ـ الصغد.
ـ بخارى.
ثانيًا: خراسان، وبها تسع كور:
ـ بلخ.
ـ غزنين.
ـ بست.
ـ سجستان.
ـ هراة.
ـ جوزجانان.
ـ مرو الشاهجان.
ـ نيسابور.
ـ قهستان.
وهذا الإقليم من أعمر الأقاليم الإسلامية، وأهل خراسان منه هم الذين أقاموا الدولة العباسية وشيدوا صرحها، ومعظمهم كان شيعة لهم، أما أهل ما وراء النهر فجلهم من التركمان ولم يكن الإسلام قد شملهم لأول عهد العباسيين، وقد دخل العرب هذا الإقليم ولم يتجاوزوا النهر إلا في عهد الدولة الأموية، وقد كثرت فتوحاتهم فيما وراء النهر في عهد قتيبة بن مسلم الباهلي العامل من قبل الحجاج بن يوسف ولم تتغلب اللغة العربية على هذا الإقليم وما يأتي بعد من الأقاليم الفارسية، ولكن الدين الإسلامي شملهم فصار منهم أمة إسلامية قادرة، عمَّها العلم ـ ولا سيما الديني ـ ووجد منهم أفاضل الفقهاء من الشافعية والحنفية والمحدثين والعلماء في العلوم كافة..
8ـ إقليم الديلم، وبه خمس كور:
ـ قومس.
ـ جرجان.
ـ طبرستان.
ـ الديلمان.
ـ الخزر.
وهذا الإقليم لم يفشُ الإسلام به إلا في عهد الدولة العباسية، ولم يتأثر كثيرًا باللغة العربية..
9ـ إقليم الرحاب، وهو ثلاث كور:
ـ أران.
ـ أرمينية.
ـ أذربيجان.
وهذا الإقليم به كثير من الأجناس والألسنة، فيه الكرد والأرمن والفرس وغيرهم، ولم يفش الإسلام بهذه البلاد إلا في عهد الدولة العباسية، واللغة العربية به قليلة..
10ـ إقليم الجبال وبه ثلاث كور:
ـ الري.
ـ همذان.
ـ أصفهان.
11ـ إقليم خوزستان، ويعرف بالأهواز وبه سبع كور، وهي:
ـ السوس، وهي تتاخم العراق والجبال.
ـ جنديسابور.
ـ تستر.
ـ عسكر مكرم.
ـ الأهواز.
ـ الدورق.
ـ رامهرمز.
ولهذا الإقليم لسان خاص به يعرف باللسان الخوزي..
12ـ إقليم فارس وبه ست كور:
ـ أرجان.
ـ أردشيرخرة.
ـ درابجراد.
ـ شيراز.
ـ سابور.
ـ أصطخر.
وبهذا الإقليم عدد عظيم من الأكراد وباسمه سميت البلاد الفارسية كلها..
13ـ إقليم كرمان، وبه خمس كور:
ـ بردسير.
ـ نرماسير.
ـ السيرجان.
ـ بم.
ـ جيرفت.
14ـ إقليم السند وبه خمس كور:
ـ مكران.
ـ طوران.
ـ السند.
ـ ويهند.
ـ قنوج.
فهذه أربعة عشر إقليمًا منها ستة عربية وثمانية أعجمية، والمراد بكونها عربية: تغلب اللسان العربي على أهلها، وإلا فأصل إقليم العرب هو جزيرتهم فحسب..
وتشتمل هذه الأقاليم على ثلاث وثمانين كورة يجبي منها جميعها الخراج إلى حاضرة الدولة حيث يحمل منها ما بقي عن مصروفها، وذلك شيء عظيم..
هذا هو الملك الطويل العريض الذي ورثه العباسيون بهمة شيعتهم من أهل خراسان، وليس عدد ولاة هذه الدولة بعدد الأقاليم التي بيناها، بل كان بعض الأقاليم فيه الواليان والثلاثة، وبعضها قد يضم إلى إقليم آخر حسب الأحوال.(1)